خربشات على الماء

أجل أحب القهوة بلا سكّر
ولكني أخذ من فكرتكِ حاجتي من السكر
و من أقداح عينيك وهي تغير تصاريف المساء
أحب مدّ الغيم و جَزره
لكني أحب طقس قمحك
حين يصير بحرا هائجا و دلالا
أجل أحب نزهة الخيول على تلال الماء
وشهقات صهيلها
لكني أحب سهول توليبك
وشدو الفراشات العاشقات
تلثم لحنها الأبدي في ثناياها
أحب انتصاري في تحرير صوتي من النزق العفوي
ولكني أعشق انهزام صمود أنغامي على بوابات خرير الغنج
أحب كمنجاتي الشاردة
و لكني أحب قيثارة الشعوب الغجرية الساكنة تفاصيلك أكثر
أحب حزني الأنيق
أما ابتسام النبيذ على محياكِ فأحبه أكثر
أجل أحب رجع الأصداف المحشوة باللآلئ و الصُدفات البهية
ولكني أحب دهشة الرمل تحت خلاخيل حافياتك
أحب لهجة اللامعقول في الأساطير البعيدة
و اعشق أقاصيص القتلى تحت جدائلك الشقية
و حكايا ريحانك التصفف الفصول فوق نهد الليل وجيد أحلام الضائعين
أحب نجاتي من النهايات العاصفة
لكني أحب رصاصات نونكِ و هي تصيبني في لب فجري
أجل أحب القصيدة
لكني أتعلم الأبجدية من دفء رحيقك المجنون المتعقل

لست نحاتا
كل ما في الأمر عازف خيال
أجرجر خطيئة اللحن إلى جسد المعنى
يكتمل شغب القدح
و أعشق نخب انهزامي

خلف قلاع عينيكِ
بحار و محار
و أحاديث بلغات الجان
معجم ألحان
و سفاحين و فلاحين
و ذئب
و شط أمان
خلف قلاع عينيك
كون فسيح
توه مريح
و معبر نال من المدى
دانيات تفلّ الهًدى
و مقهىً صباحي
شرفات على خمر المسا
خلف قلاع عينيك
أعجوبة و مهرة
و لمعة مستبدة حرة
و صد و مد
و حمل وديع
و لون هزم العرافات
و حبس صريح لحواس الثورة

طاعن في اللاشيء
أحبو في نشوة الأشياء
اكتب في الليل على جدران الأحلام اعترافاتي
و في الصبح أفقد إصبع
2
أين الذي كان و أين الذي لم يكن
كينونة ثملى
و الكل في عجب
يا صاحب الليل
إن الرأس في عطب
قد هزه التظليل و أضناه التعب
لا شيء واقف في مكانه
ذالك مقلوب
و ذاك وثب
3
أغني مثل عاشق
مسح كسل الفراشات عن قلبه
و غاب
4
كل النوارس التي قطفت
من حضنك زهرة جاردينيا
لم تعد قط تلامس أرض
5
متى أنجو من جهل النجاة و الغرق
أتقن لغة العيون
متى أكون نجيبا في فهم المدى و لسعة اللون الشرس
6
الجميلة من تنبش السكات
قدحا قدحا
تعبث بطعم الجنون و فؤاد الوقت
و تشعل على مهل قناديل البال
نبيذا نبيذا
7
لا شرفة للبحر
حتى يطل قلبي السابح في ملكوت الضباب
على فجر غزلانك البرية
غزلانك الـ هجرت غابات الصمت
و أنشدت بكل دهائها لحن الموانئ العصية
غزلانك الـ تمكر بصيف أغنيتي
و تفرد جمالها أهزوجة دفء خريفية
8
أشمّ في طلوعكِ رائحة الحواري العتيقة
الحواري الـ أضعتُ فيها صغار الفؤاد
و تعلمت إسرار المسير الشقي فيها
أرى في طلوعك منتهاي
و قطفة من عشق يتممني في الضياع
أرى حرير الكلام و صهللة المدام
و تعب عفيّ يغازلني
9
يمتد النداء من عينيك الى موتي
لا قشة في المدى إلا القصيدة
10
تعالي نتسوّل قطعتين من الأحلام
و نعدّ من أجوبة المدى أرغفة لصبح الجائعين

شربت العمر على عجل
و لازلت أقرأ الدفء في كف أبي
أبي الذي شرب العمر أسرع مني بحزنين و كمشة خيبات
أبي الذي تبرع للبكاء بقميصه الترابي
و بأغصانه للنايات

جميل أن تلقي بالا على اللاشيء
أن تصفع الهواء مثلا
لأنه أضاع عليك فرصة
حين مرت ذات التنورة على مرآك
و لم يلقي بالا
بأن يمنحك مقارنة بين سواليف البال المنقوع بأمنيات المطر
المرجو من سيقان الغيم
المخبوء على مسافتين و عشق
وبين حديثٍ عابر قد يدهش اللغة أو يدخلها في سبات
أن يمنحك لحظة برزخ عفوي
فتشد مئزرك على أحلامك
و تمشي
جميل أن تلقي بالا على الأشياء
كأن تراقب فراشة تحرث الوقت بحثا عن زهر شهي
أن تخلط غسق امرأة بفجر نبضك
وتنتظر الشروق بلونها
تصنع من سُمرتها مركبا لا يعبث باللون
ينحر نشوة الغجر عند خلخالها
يبحر بك إلى فكرة النهاية
فكرة الموت
و دانتيل البال

يا نبوءَتي الأخيرة في الظل و في فؤاد الشمس
العمر مسّ يصطادني على أول البُحيرة
و يبيعني السلاسل و أمشاط من خشب
كلما رتبت موعدا مع الموج نكشت أشجار الصنوبر صبري
فلُذت بأجمل انهزامات الانتظار
أراقبني علّي أجيء مع الصدى
مع المطر
ليس امتهانا للسكون
و لا فرارا من وجه المرايا الفاضحات لعيني
ولا جفاءَ لحروف العطف و العلة
هو صوتي الحزين
تربى على عشب النايات
و توضأ بالحنين

لا تغادر القصيدة
ابني لك كوخا في المطلع
وبحرا بعد المنتصف بفاصلة و إشارة استفهام
سوّرها بأسلاك الخيال المائجة
ازرع زعترا و جاردينيا و نار
ولا تغادر القصيدة
كي لا تصاب بضربة بكاء
أو باحتقان جنون في حلق الفكرة
كي لا يشد الزعفران قبضته على أحلامك
فيستفيق اليقين على خيبة وطن
كي لا تروح في حوار الفقر إلى أخره
و يزيد بلل طينك عفن الرؤى و زَيَغُ الميزان في عرف الشوارع
كي لا تصطدم بجروح جدائل العاشقات
و وعود اللقى الذاهبة أدراج الريح
كي لا تصاب بعدوى البلادة
و انهزام الخيل في سباقات التلال العالية
لا تغادر القصيدة
و ارفل بنكهة الملح في عيون الشوق
خبث الدراق على شفاه الخيال
ضحكة الناي في أقاصيص الغزلان في الغابات البعيدة
امتهن ما شئت
نحّات يغازل خصر الصخر حتى يصير قلب
ينقر نشوة الجبال فتولد الربابات على أول النهر
يدوزن صلصال الكمنجات
يرشّ عليه كمشة قرنفل و قضمة من رحيق الجان
فتطلع من رحم اللحن امرأة غجرية
فلاحا لو شئت
يدس جذوره في عاشر أرض
يشهر منجله في وجه طغاة الأرض
يعرّش من أول الأنين إلى أخر الحنين
يدرّس الأخضر للعابرين
ويقول للغيم و الشمس ها أنا
ظل وطن
ولو شئت كن رساما عاشقا
اترك اللون يرعى في مراعي اللقاء
علمه كيف يصير مائلا لعينها قبل الشروق
و مائلا جدا إلى سنابلها قبيل الغروب
و ارسم لها فستانا بلون البحر و تغريد البلابل
و مشطا من أصابع القصيدة الشغوفة
ارسم مقعدا فوق تلة خضراء تطل على الحب
مقعدا يتسع لاحتضان و حديث أنفاس
و ارسم جوقة على غيمة تجيد لحن المطر
اتكئ على البرتقالي مقدار دالية و سيجارة
و انتظرها إلى أن ينضج اللون
كن ما شئت ولا تغادر القصيدة
حتى لا يفاجئك الصوت و الصدى
بأن الرصاص أغنيات المدى
و أن القوت حلم
و الأخبار حامضة كالليمون
بأن النخيل بلا عرجون
الياسمين لا يحسن الغناء
و الفجّار ساسة
و الفسّاد وطنيون

أهز جذع شجرة أجاص في الحديقة الخلفية للحكاية
يسقط الراوي
و تضحك العصافير
تهبّ ريح جسورة
يرتفع فستان الحدث
يكشف سيقان الحقيقة و عورة العيون الشره
ما هذا الوجع المتدلي مثل قطوف من غصن الهرب
لا وشاح يلوح في الطريق
ولا نهاية
الركض عبرة العائشين
و أنا على ذمة القصيدة أعيش
أُفلت قيد الحلم
و اتبعه
أفتح قفص القلب
و اتركه يفرّ سربا من حنين
ما أضيق عين السماء
ما أوسع التحليق
و ما أشبهني بلحن بريّ كل كمنجاته بوتر واحد
هو الناي من بألف ثقب و رحيل
يا المزورعة خلف قصب المساءات
شجرة برتقال و وطن حساسين
يلوّح مثل صلاة الندى قلبي
وتحوم مثل غيوم تشرين عيون المجاز
تجرني إلى شراسة الخيال رائحتك
ويسافر بي صوب الأصيل منحوتك الحريري
تعالي يا برزخ الهوى نكذب قليلا
نبتسم
تقولين أحبك
فلا اسمع
أقول أحبك
تلتفتين

طازج حديث الشبابيك العتيقة
كأنه الغد
سر منعنش الأجنحة
زهرة في جدار الذاكرة
حمامة تهدي البال بريقا سماويّ الطالع